لقد سخّرنا الكهرباء، وتوصلنا إلى تسلسل الجينوم البشري، وقضينا على الجدري. ولكن بعد أبحاث كلّفت مليارات الدولارات، ما زلنا لم نجد حلًا لمرض يؤثر على أكثر من 14 مليون شخص.
ينشأ السرطان عند تراكم الطفرات في الخلايا الطبيعية. تتمكن الخلايا -في الغالب- من الكشف عن الطفرات أو تلف الحمض النووي وإما أن تصلحها أو تدمرها ذاتيًا. ولكن بعض الطفرات تسمح للخلايا السرطانية بالنمو دون رادع وغزو الأنسجة القريبة، أو حتى الانتشار لأعضاء بعيدة. يصبح السرطان غير قابل للشفاء تقريبًا بمجرد أن ينتشر. والسرطان معقد بشكل لا يصدق. إنه ليس مرضًا واحدًا فقط. هناك أكثر من 100 نوع مختلف ولا نملك عصا سحرية يمكنها علاجها كلها.
بالنسبة لمعظم أنواع السرطان، عادةً ما تجمع العلاجات بين الجراحة لإزالة الأورام والإشعاع والعلاج الكيميائي لقتل أي خلايا سرطانية متبقية. العلاج بالهرمونات، والعلاج المناعي، والعلاجات المستهدِفة المصممة خصيصًا لنوع معين من السرطان تستخدم أحيانًا أيضًا.
في كثير من الحالات، تكون هذه العلاجات فعالة ويصبح المريض خاليًا من السرطان. ولكنها بعيدة كل البعد عن كونها فعالة
بنسبة 100% كل مرة. فماذا يجب أن نفعل لإيجاد علاج لجميع أشكال السرطان المختلفة؟
لقد بدأنا بفهم بعض المشاكل التي سيتعين على العلماء حلها. أولًا، نحن بحاجة إلى طرق جديدة وأفضل لدراسة السرطان. يتم تطوير معظم علاجات السرطان باستخدام الخطوط الخلوية المزروعة مختبريًا من مستنبتات الأورام البشرية. أعطتنا هذه الخلايا المستزرعة نظرة متعمقة حول الطبيعة الوراثية والبيولوجية للسرطان لكنها تفتقر إلى الكثير من التعقيد الموجود في ورم في كائن حي فعلي. نجد في كثير من الأحيان أن الأدوية الجديدة، والتي تكون فعالة على هذه الخلايا المخبرية، سوف تفشل في التجارب السريرية مع المرضى الحقيقيين.
أحد تعقيدات الأورام العدوانية هو أنها قد تتكون من عدة تجمعات من الخلايا السرطانية المختلفة قليلًا. مع مرور الوقت، تتراكم طفرات وراثية مميزة في خلايا في أجزاء مختلفة من الورم، مما يؤدي إلى ظهور نسائل فرعية فريدة. مثلًا، يمكن لأورام الدماغ العدوانية المسماة بالأورام الأرومية الدبقية أن تحتوى على ما يصل إلى ست
نسائل فرعية مختلفة في مريض واحد. وهذا ما يسمى باللاتجانس النسيلي، ويجعل العلاج صعبًا لأن الدواء الفعال على نسيلة فرعية واحدة قد لا يكون له أي تأثير على نسيلة أخرى.
إليك تحدٍ آخر. الورم هو نظام بيئي ديناميكي مترابط حيث الخلايا السرطانية في تواصل مستمر مع بعضها البعض ومع الخلايا السليمة القريبة. يمكنها تحفيز الخلايا الطبيعية لتشكل أوعية دموية تغذي الورم وتزيل الفضلات. كما يمكنها التفاعل مع الجهاز المناعي لتثبيط وظيفته فعلًا ومنعه من التعرف على السرطان أو تدميره. إذا استطعنا معرفة كيفية قطع خطوط الاتصالات هذه، ستصبح فرصتنا أفضل في القضاء على الورم بشكل نهائي.
بالإضافة إلى ذلك، تشير الأدلة المتزايدة إلى أننا سنحتاج إلى معرفة كيفية القضاء على الخلايا الجذعية السرطانية. هذه الخلايا نادرة
ولكن يبدو أن لها سمات خاصة تجعلها مقاوِمة للعلاج الكيميائي والإشعاع. من الناحية النظرية، حتى لو تقلص باقي الورم إلى حد يستحيل كشفه أثناء العلاج، فيمكن لخلية سرطانية جذعية واحدة متبقية أن تكون بذرة لنمو ورم جديد. معرفة كيفية استهداف هذه الخلايا العنيدة قد يساعد على منع السرطان من العودة. وحتى لو حللنا تلك المشاكل، قد تواجهنا مشاكل جديدة.
تتفنن الخلايا السرطانية في التكيف، فهي تعدّل خصائصها الجزيئية والخلوية لتبقى حية تحت الضغط. عندما تتعرض للقصف بالإشعاع
أو العلاج الكيميائي، يمكن لبعض الخلايا السرطانية أن تشغل
بفعالية دروعًا واقية ضد كل ما يهاجمها عن طريق تغيير تعبيرها الجيني.
السرطانات الخبيثة هي أنظمة معقدة تتطور وتتكيف باستمرار. للتغلب عليها، نحتاج إلى إيجاد نظم تجريبية تتناسب مع تعقيدها، وخيارات للرصد والعلاج قادرة على التكيف مع تغير السرطان. ولكن الخبر السار هو أننا نحرز تقدمًا. وحتى مع كل ما نجهله، فإن متوسط معدل الوفيات لمعظم أنواع السرطان قد انخفض بشكل ملحوظ منذ السبعينات وما يزال في هبوط. نحن نتعلم المزيد كل يوم، وكل معلومة جديدة توفر لنا أداة أخرى لإضافتها إلى ذخيرتنا.